الأستاذ... ريمون موهج... يكتب....الليل البريء.
الليل البريء
روحي ترتجف، أشعر بجليد قاسٍ وبغربة مفترسة تودّ الانقضاض على أنفاسي.
ظلمة حالكة تغطّي فضاء حياتي. أسير في غابات المجهول. ترتعب روحي، وتتألّم، فتصرخ إلى المدى علّهم يسمعون؛ علّ آهاتي توقظ الرأفة في قلوبهم.
فجأة، تصفعني رياح كلمات أعادتني إلى عالمهم:
- ما بك تنعى؟ هل أنت مجنون؟ أزعجتنا بتصرفاتك الطفولية الحمقاء. أنت ماذا، ولد صغير لا تفهم، ولست أهلاً للثقة؟!
ثمّ تدفعني رياح أخرى على الأرض، وتصيح: أين وعدك لنا بالحياة والسكون؟ اصمت، اصمت، ولا تكلّمنا عن مشاعرك، عن أحاسيسك البلهاء. لا تتفوّه بتلك الحماقات من إيمان بروح واحدة، وبرابط مقدّس، ولا تتحدّث عن خيال في مبادئك وأحلامك. اصمت أيّها الغبيّ وعشْ الواقع!
حاولت الوقوف بعد الوقوع. نظرت نحو الفضاء، والدموع تسيل على خدّي، فتنهدت قائلاً: سمعاً وطاعة أيتها الريح، ويا هذا العالم. ولكن أنا لا أفعل هذا عمداً. إنّها روحي. فكما يتنفّس جسدي فإنها تنضح بمشاعري بصدق. لا تعرف أفكار البشر ولا صلابة الحجر، ولأنها هكذا ولدت مع ملاك الروح؛ فمعه فقط وفقط تغلبك أيها العالم، وتمسحك أيتها الرياح. ولكن لو يأتي، لو يضمّني إلى قلبه وينقذني! اتركوا روحي ترحل من دنياكم، فأنا غريب عنكم وعن قوانينكم وأفكاركم.
فجأة، كالصاعقة تصفعني الرياح مرة أخرى قائلة: ممنوع أن ترحل روحك يا أيها الخسيس الكافر والجبان. ممنوع أن تفكّر وتشعر، إلا كما نحن نريد، وإلا انتزعنا أنفس مَن تحبّ، ومَن تحيا لأجلهم، ثمّ نشوّه صورتك الجميلة في قلوبهم، فهم يحترمونك، ويؤمنون بفكرك، وسنجعل أيّامهم جحيماً لو رحلت...
يسود الصمت لبعض الوقت ثمّ تهمس أنفاسي بأنين: أرجوكم ...لا، لا، سأفعل كلّ ما تطلبون، ولكن ليبقوا بخير؛ ولكن فقط، فقط اسمحوا لي بأن أتألّم، فبأوجاعي أتنفّس لتبقى روحي هنا كما تريدون...
تمرّ دقائق من السّكون. يأتي نور من بين أعماق الظلمة، ويحضن قلبي هامساً له: أنا الأمل، ولك رسالة من ملاكك: اصبر قريباً. ستنجلي كلّ ظلمة، وسيأتي صباح الحياة واللقاء بملاك الروح فيحضنك للأبد، ويشعّ نور رابطكما فرحاً مع ربّ السّماء....
(ريمون شربل مرهج )
تعليقات
إرسال تعليق