....حكايات🌻


 

 الكاتب_ الشاعر أ.  سعيد نعام

🍀🍀🍀🍀🍀🍀🍀🍀🍀

حكايات من زمن الشقاوة..

بقلم: سعيد نعام


لم أكن أطفأت شمعتي التاسعة، أو العاشرة من ربيع عمري، حين بدأت أتردد على دار الدباغة المجاورة لحينا سيدي الخطيب أو سيدي الكاتب، لا أعلم له اسما محددا. بعيون الدهشة، ودافع الفضول المعرفي، الذي أضحى قرينا لي في سكوني وحركاتي، رحت أجر قدمي- وأحسبها هي الأخرى كانت تعود بي القهقرة- صوب فضاء واسع، تنتشر به حفر صغيرة مستديرة، لا يتعدى عمقها نصف جسد شخص واقف، تنبعث منها روائح جلود عائمة فوق سطحها، وكانت تلك الحفر موزعة بشكل عشوائي، يتعذر الانتقال بينها بسهولة، أو هكذا ظننت حين تعثرت قدمي عند أول خطوة باتجاهها، وكدت أقع داخل إحداها، لولا تدخل سريع من رجل كان منحنيا يعصر الجلود من مائها العكر. كان يُطلق عليها سابقاً "دار الذهب" بسبب الرواج والعائدات المالية المهمة، التي كان يحصل عليها الحرفيون هنا في دار الدباغة بمسقط روحي القصر الكبير، قبل أن تتحول إلى مجرد معلمة مهجورة، تاركة خلفها إرثا تاريخيا يعود إلى عهد المرينيين؛ نتيجة التهميش والإقصاء ولا مبالاة المسؤولين المحليين بقطاع الصناعة التقليدية، ورحيل كبار " المعلمية" وتواري آخرين بحكم التقدم في السن والمرض.

قادني فضولي العنيد نحو جَمْع من الأطفال بأعمار متفاوتة، جالسين القرفصاء، منتظرين بداية العمل. كان الحاج المثني رحمه الله من تجار بيع الجلود، التي كانت تُصدر أغلبها خارج المدينة، بعد مرورها عبر عمل متسلسل، نقوم نحن الصغار بوضع إحدى لمساته، من خلال توضيبها بشفرة، أو موس حلاقة حاد، مقابل دريهمات ندخرها إما لولوج السينما أو شراء ما يلزمنا، وكنت أحاول ترشيد النفقات، فأقوم بعملية حسابية، أخصص خلالها أكثر من ثلث الميزانية، لشراء المجلات والروايات والجرائد، من كشك جارنا بالحي يوسف السلاوي، الذي سيصبح فيما بعد، صديقا عزيزا علي في وقت الشدة، أي حين أنسى تطبيق شعار( صُن درهمك الأبيض ليومك الأسود) إذ كان يوسف السلاوي يُعيرني كل ما أحتاج من كتب ومراجع دون مقابل، شريطة أن أحافظ عليها في حالة جيدة، ولمدة محدودة. تعلمت حرفة توضيب الجلود بسهولة، فصرت أزور محل الحاج المثني أو با المثني كما يسميه أقرنائي، وكان رجلا نحيف الجسد، غائر العينين، بشوش الوجه، وصاحب دم خفيف، وجدية في العمل. هنا بهذه الرحبة المستديرة، المحادية لمسجد صغير، كان يهتم بشؤونه رجل ظريف، وعصبي المزاج يدعى با بنموسى، ستتوطد علاقتي أكثر برفاق الدرب والدراسة، من أمثال عبد الإله الغرباوي، الأمين الشريف، عبد الصمد الكتاوي، عبد السلام زويتة وآخرين، لتبدأ سلسلة من المغامرات، سنكون أبطالها في كثير من اللقطات والمشاهد والمواقف المضحكة، لم ولن يمحو الزمن وشمها من الذاكرة..

يتبع..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر.. محمد دومو.. يكتب... لن يراها قلبي.

....لحظة استيعاب🌻