.... ارواح🌻
الكاتبة_ ندى محمد ابراهيم
🍀🍀🍀🍀🍀🍀🍀🍀🍀
[قصاصةٌ من رواية]
ل ندى مأمون.
--------------------
أَرواحٌ في قاعِ النهر
طريق منزلهُ يُوازي مَجرى النهر العتيق ورِحلة سيارته اليومِية تَمر على تِلك القَنطرةِ التاريخية الواصلةِ بين ضفتي النهر... لقد كانت تذكارا من جُنودِ الحربِ حتى يَتذكر أَهلُ المدينة خَيبتهُم وعجزهم عن استرجاعِ أَرضِهم المنكوبةِ كُلما مروا فوق النهر ... هذا النهرُ الذي ابتلعَ مئاتٍ من البشر أَيام الحَرب، و ابتلع معهُم أَحلامَهم ... و كرامَة مَسلُوبة دفنت معهم في القَاع ... فَتح نافِذة سيارته، و هو يَعبرُ القَنطرةَ مُسرعًا و مُحاولًا إخراجَ ناموسةٍ مُتطفلة تَسللت عَبر زُجاجِ السيارة ، لم تَرحمهُ من قرصاتِها المُزعجة... نظر إِلى يدهِ المحمومةِ بِالقرصات، و استوقَفتهُ تلكَ الندبةُ الغائِرة على شكل هلالٍ في ذراعه ... هلالُ العار ... كما كان يُسميه ...
يومها كان ما يزالُ شابا يافعا لم يَتعد التاسعةَ عشرةَ من عُمره ... قصف المدينةِ المكثِّفِ ذلك اليوم أَعمى بصره و بصيرته ... تَرك جده المقعد على كُرسيه يُقاوم الِاختناق برائِحة البارُود... و أُختًا صغيرةً لم تَتعد السابِعة، تضم بينَ يَديها دميتَها، و ترنُو إِليه بِعينٍ دامِعة ... نَجا بِنفسه دُونهما، كان يعتقدُ أَنهُ الْأَجدرُ بالنجاةِ إِن خيرتهُ الحربُ بينَ رُوحهِ و رُوحيهِما... انشغل عنهُما في البحثِ المُتعجّل عن أَوراقِه، كان يسمعُ شَخير روح جدهِ المستغيثة، و يَرى زرقة وجهِ أُختهِ الجائِعة "للأكسجِين" ... لهُما النّجدةُ من الرّب -هكذا قال لِنفسه - ... شَظايا قذيفةُ يدويةُ أَلقَاها جُندي ثَائر ألحقَت بِذراعه الضرر فَتناثر الدم من جُرحِ غائر، و تفتت العظم ... لم يستَطع حينها انتِشال أَوراقهِ الثبوتِية وجواز سفره من بين الركام و القذائِف المشتعِلة... أَلمهُ العظيم أَسكره ... و نيران القذائِف الحاميةِ دفعتهُ إِلى الخارج ...
فَرَّ من المكان كما الجرذ المريض ... بِلا هَوية ... بِلا إِنسانِية... و التذكارُ مَوشُوم على ذِراعه بِرسم خبيث ، تطل على حافتيه ملامح روحَين لم تُسامحاه على فعلته...
لعن تلك النامُوسة القلقة التي لسعته، و أَطلقت دُخان الضمير ...أَغلقَ شباك السيارة بعد أَن طردها و سحب كم قَميصه يُداري بِه تلك الندبة الملعُونة ...
حافة النهرِ العتيق تعكسُ لمعانه على زُجاج سيارته ...
بعد أَربعة عشر عام من الحادثة - لم يُغادر فِيها البلاد-، ولم تُغادر الأَرواح التي خذلها مخيلته ،تمنى لو أَنهُ لم يعبر القَنطرة ... لو أَن رُوحه سكنت قَاع النهر كما فعل موتى مدينته ...
القاعُ مُوحش ، بارد... لكن في تربته خليط دماء و كرامَة.
هُناك ترقدُ أَرواحا بِلا نُدوب انتقتهُم الحربُ طواعِية كتذكار لمجد لم يسترد.
رُوح جده و روح أُختِه تسكُن معهم ...
الجُرذان وحدها من تسكنُ شُقوق القَنطرة . ****************************
الكاتبة : ندى مأمون محمد إبراهيم 2023.
تعليقات
إرسال تعليق