الأستاذ... محمد الدقي.. يكتب...غرباءُ.

 غرباءُ


غرباءُ في الوطنِ الغريبِ

تلهُو بأشباحِنا المقاساتُ

لا فرقَ بين البعيدِ و القريبِ

غرباءُ عن معاجمنا الأثيرةِ

تنزاحُ بنا الكلماتُ

لا فرقُ بين الصّفيِّ و الغريبِ

غرباءُ عن منطق المألوفِ:

يُشكّلُ الظلُّ أصلَهُ

و يئنُّ في الهواجرِ ، يا حبيبي 

غرباء في عواطفنا 

فلم  تعُد الأطلالُ تُشفقُ 

لبكائنا المُرِّ 

وللنّحيبِ

غرباءُ عن لغةٍ سلخْنا أصولَها 

بكى الفعلُ فاعلَهُ

و رثى المتبوعُ تابعَه

فيا  أخواتِ كانَ 

تمرَّغْنَ كما تشأنَ في كل تركيبِ

فلقد أضلّتنَا الوظائفُ

لا الرّفْعُ يرفعُ شأن الفواعلِ

و لا النّصبُ في الإعرابِ وَسْمَ الفواضلِ

تُحاصرنا حروفُ الجرِّ في كل جملةٍ 

و تصيدُنا صيدَ الفرائس 

بالسّوط ينقادُ القطيعُ 

و على حوافر الرّيح يلهو الرّبيعُ

و على خطى العابرين نمضي

كما كانوا كنّا

منّا،  إذن 

يتشكّلُ المعنى المُصفّى 

و إلى ما وراءنا يشدُّ المريدُ رحالَه

سيقول في أوراده :

عليكم ما تستحقّون من تقاسيم الرّثاءِ

أشفقتُ حين أَفقْتُ 

على ما بكم ، يا هؤلاءِ 

حلَّ الوداعُ 

عنكم و عنّي سقط القناعُ

لا تتّكئْ على وهْمٍ يُساورك 

لأنَّ الغيابَ فراغٌ 

لا تضَعْ نبضاتِك كلّها 

في سلّةِ الوجْدِ

فقد يذوب فؤادُك كَمَدَا

انظرْ إلى ما حولكَ ، الآن

تَجِدْ هشيمَكَ في المدى

قد أجَّجَ الوَمَدَا

فاستلطِف الرّيحَ كي لا تُثِيرَ غبارَها 

و أنتَ حِلٌّ هنا 

تستوطنُ في أحداقِها البَلَدَا

سيُوثِّقُ التّاريخُ أنَّكَ مارقٌ 

مزَّقْتَ كلَّ الضَّوابطِ

و المعدُودَ و العددَا

غرباءُ ، إنْ فاضتْ عيونُ القصيدةِ 

يستنكر الطّلَلُ الوقوفَ عليه 

فنهيمُ في طرق القوافلِ كاليتامى

نستقبل الوافدينَ

و نُشيّعُ الذّاهبين إلى يُتْمِهم

غرباءُ نحن يستبدّ بنا الحنينُ 

إلى مَنْ يُكفكفُ في العيونِ دموعَها 

و يُبَدِّدُ نُتَفَ الظّلامِ 

و يُشعلُ في الخيام شموعَها

غرباء نحنُ كالهواملِ قد أضاعتْ نُجُوعَها 

مَن يرُدُّها إذا ابتلعَ التّيهُ خطاها 

و مزّقَ الشّوقُ ضلوعَها 

غرباء في أوطانا بأشجاننا على أطلالنا

قد غصَّ عدّادُك

 و أسقطَ المعدودَ و العددَا  

سيُدوّنُ التاريخُ غربتَنا 

و أنّكَ مارقٌ 

تَأْبى العيشَ مُضطَهَدَا 


محمد الدقي  / تونس 

    أوت 2022



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

.... مالي🖤

.....سوالف السلاف🌻

.... وجه وقناع🌻