.... تقلبات مزاجية🌻


 

 الكاتب_ الأديب عبد الستار عمورة

🍀🍀🍀🍀🍀🍀🍀🍀🍀

قصة قصيرة

تقلّبات مزاجيّة


عانقت الكآبة نفسها،ملك الخوف جسدها،غيّرت المرآة رأيها..خدعتها هذه الأيّام..نصحتها لكن باءت بالفشل ولم يستطع العطّار أن يصلح ما أفسده الدّهر.

الكلّ مخاتل في أعماقها..كلّ شيء مزيّف في نظرها..سواد أرعب ذاتها فأضحت عدوانيّة سريعة الشّك لما حولها،حتّى طعم النّوم لفّها برداء الأرق فلم تعد تفرّق بين ليلها ونهارها..عشقت الظّلام، غيّرت ستائر النّوافذ بأخر داكنة.

بخطى ثقيلة، اتّجهت صوب الخزانة المصنوعة من خشب الجوز على طراز لويس الرّابع عشر مثلها مثل السّرير والطّاولات والكراسي؛ فكان البيت رائعا بهذا الأثاث الباذخ والّذي اختارته بنفسها يوم وطئت قدماها بيتها الجديد.

اختارت فستانا مخمليّا، احتواه جسدها الأهيف في طلعته كغصن البان..دقّقت نظرتها البائسة والمرآة..لم تتحمّل الموقف حينها؛ بدت تيارات الكآبة تسري في كيانها فتململت كشجيرة الياسمين الفتيّة أمام رياح هوجاء هاجمتها على حين غرّة.

كيف لا و تجاعيد الزّمن المتقدّم دون تريّث أو رجوع أو انتظار قد خطّت جيدها البلّوريّ لتجاعيد استفزّتها مع شعيرات في بياض ندف الثّلج النّاصع، غزت مفرقها رغم الخضاب الّذي فشل في المقاومة و عناده المتكرّر.

طفقت صورة زوجها تنخر تلافيف عقلها نخرا..بهندامه المنمّق وربطة عنقه في لون قوس قزح وساعته ذات "الماركة السّويسريّة"وعطره "الباريسيّ" الّذي لا يفارقه؛ حتّى حذاءه أعطاه وجهه النّقيّ الواضح، فلا يغفل عليه بتاتا دون مسح أو تلميع.

ابتسامة دائمة وتفاؤل فيّاض..لا ينقصه شيء..ينافسها أمام المرآة قبل أن يخرج متوجها إلى عمله حاضنا مقود سيارته و هي تراقبه من خلف السّتار حتى يختفي والطّريق المكتظّ.

انهارت على الأريكة و جسدها المتثاقل، أسندت خدّها على كفّها البارد:

-هاأنذا في بيت غريب ورجل أغرب منه،لم يلامس أجنحة فؤادي العذراء ولو بقبس من الحبّ والاهتمام..لم يرو روحي بقطرات النّدى ليمدّ في مهجتي ولو بصيص أمل..

لقد أهرقت عرقا غزيرا وشبابا مرحا في خدمته وراحته، لكنّه خانني وباع قلبه لامرأة أخرى فبات أسيرها..أكيد لم ولن تعتقه..!؟

إنّه حيّة رقطاء مختبئة في ثنايا قلب حمل وديع..لم أكن أتوقّع هذا بتاتا ولم أكن أحلم به نهائيّا..تبّا لي من امرأة ساذجة؛ كيف قبلت التّنازل عن عملي والبقاء سجينة حيطان البيت..؟!

هو السّبب لقد أقنعني بغيرته عليّ، حتّي من النّسيم العليل الًذي عبث بشعري المتموّج ذات يوم عند الشّاطئ..!

صدّقته حينهاوطرب قلبي لحديثه، حتّى فستاني رقص عند قدميه.

أكيد هام بها و أهداها عصير قلبه الممزوج بدم قلبي المكلوم..لن أسامحه أبدا.

نهضت واتّجهت مرّة أخرى إلى المرآة وخاطبت نفسها بصوت مسموع هذه المرّة:

-هل هي أجمل منّي..؟ كم عمرها ياترى..؟

كيف هو لباسها..؟كلامها..؟ بسمتها..؟مشيتها، دلالها..عطرها..؟

لقد سجنني ليتحرّر..

اتّجهت صوب باب حديقة بيتها، أعطت لنفسها تحت شجرة التّوت راحتها..ضخّت من صدرها أنفاسا أحرقت بها شفاهها القرمزيتين والمنتفختين..هبّت نسمة باردة لهذه الصّبيحة من شهر أيلول، أسقطت معها وريقات صفراء لا مست كاهلها، امتدّت يدها إلى واحدة، تفحّصتها مليّا وبصوت خافت خاطبتها:

-أنت وأنا الآن متماثلتان تماما..في الذّبول والشّحوب والسّقوط,لقد انتهينا وانتهى دورنا في هذه الحياة..ستتلاعب بنا الرّياح في كلّ اتّجاه دون شفقة أو رحمة.. حتّى ظلّي لم يعد يطاوعني مثله مثل مرآتي ..حياة مخاتلة..!

شدوٌ غريب أقحم خلوتها..رفعت رأسها لقمّة الشّجرة لتهتدي لجمال هذا الصّوت الشّجيّ..

إنّه طائر الشّحرور الأسود ذو المنقار الأصفر، راقها شكله وهي تتأمّله..طربت له أيّما طرب؛ أنساها همومها لبعض الشّيء.داهمها الوقت وأذان العصر بعد أن سحرتها أوراق الخريف الحمراء والصّفراء والأرجوانيّة رغم حزن الأشجار وبدء عريها.

دوار خفيف داهما عند وقوفها لتغادر المكان..تمسّكت بالجذع لهنيهة، مشت بتؤدة نحو البيت. استلقت على سريرها..تكوّرت تحت الغطاء بعد أن تدثّرت.

غفت قليلا.. داعبها الدّفء وأثقل أهدابها، وقتئذ أحسّت بيد تربّت على كتفها..استدارت قليلا وهي بين اليقظة والنّوم..تفاجأت به بالقرب منها..انحنى قليلا، طبع على جبينها البارد قبلة أعادت الحياة لروحها الهائمة..تنبّهت عواطفها..أنيرت شموع أملها..انفرج ثغرها بابتسامة سرمديّة؛ أنغام سحريّة زفّتها من جديد.


الأديب الأستاذ عبد الستار عمورة الجزائر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

.... مالي🖤

الأستاذ.. نعمه العزاوي.. يكتب...الحياة.

.....سوالف السلاف🌻