الأستاذة.. لطيفة ناجي... تكتب.....امض يا عام.
امض ياعام ،
ها أنت يا عام تلملم ما تبقى من أوراق لتمضي وإلى الأبد، سوف تلحق بركب السنوات التي سبقتك وتترك بصمتك موشومة في الصدور .أجل ستمضي بصمت الأموات، لن يبكيك أحد، ولن نرتدي عليك ثوب الحداد. امضِ يا عام وخذْ كل الأوجاع والآلام والأسقام. خذ كل ضربة موجعة، كل خيبة أمل وكل الحسرات. بالله عليك يا عام، بأي شيء كان فيك جميل قد نذكرك؟ ماذا تركت لنا بل ماذا أهديتنا؟ حزمة هموم وحفنة آهات وآلام . لازال الشبح الأسود يجوب المدن والقرى والمداشر، ويختال في الشوارع ويتحول. يأخذ هيئة جديدة، في كل مرة ،وعلى حين غرة، ليصبح أشد خطورة من سابقيه ولينشر الهلع ويحصد الأرواح ويغلق الحدود ويقطع كل الصلات. تودعنا أيها العام والعالم لازال يتخبط في حرب ضروس، تحرق الأرض والشجر والبشر وتخلف الدمار الشامل :لا ماء ولا كهرباء ولا كرامة ولا كبرياء . حط الفقر والبؤس رحاله وتجرعت الشعوب مرارة الغبن والفاقة ولم تقو على التصدي لسياط القهر.. هؤلاء أطفالنا ،أشباه أشباح، عراة، جياع، يتناوبون ويأكلون مع القطط والكلاب، يتناحرون من أجل البقايا التي لم يرض عنها الأغنياء، وما تخلت عنه المراكز التجارية في الحاويات، أطفال يبحثون عن شيء يسد الرمق من بين القاذورات والأزبال . وهؤلاء شباب ولج المدارس ثم الجامعات، أعذرت أحلامهم وأُغلقت في وجههم كل أبواب الأمل في عيش كريم، احتضنتهم دروب البطالة والتسكع لعدم تكافؤ الفرص، وأصبحوا عرضة للإستغلال البشع والإجرام ، تفننوا في السرقة، وفي اعتراض سبيل الأبرياء، هم ليسوا قطاع طرق،ولا سفاكو دماء، ولكن الظروف حولتهم من أشراف إلى حثالة المجتمع ،وغرقوا في يم المخدرات حتى يتمكنوا من تناسي الحرمان الذي يؤرق المضاجع ويسلب الكرامة، ويحسوا بأنهم دون غيرهم من الناس غضبت عليهم السماء وهمشتهم ظروف الحياة المزرية ، وأصبحوا عرضة للضياع.
وتلك بناتنا ،شموع الحياة، تلك القوارير التي أوصى عنها نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام،يعانين الأمرين، لا الفتاة أكملت دراستها ولا هي تزوجت وأحست بالهناء والاستقرار ، هي كالطريدة العالقة في شباك منسية في غابة لا يعرف لها عنوان. أيها العام الراحل،أخبر العام القادم بأن الأُسر لم تعد قادرة على الكفالة ولا التكفل بفلذات أكبادها، تنظر إليهم بعين الحسرة وهم ينتحرون متن قوارب الموت طمعا في الوصول إلى "الإلدورادو" عن طريق الهجرة السرية ، تشجع أولادها وبناتها على ركوب المخاطر والأهوال حتى تسنح لهم فرصة الهروب من وطن لم يوفر لهم أسباب الرجاء، يمتطون قوارب الموت و يشقون عباب أبحر طيلة ليال لا قمر فيها ولا نجوم ولا سناء. يموتون في كل لحظة من هول المواقف والبحار، ربما يصلون في ظروف صعبة، شبه أموات، وقد يغرقون لتقتات منهم أسماك البحر وحيتانه لأيام، ولتذرف ما تبقى من عبرات مئات الثكالى لسنين وأعوام.
امض، أيها العام ،سوف أشيح بوجهي عنك حتى لا تنقش صورتك في فكري ،واترك المجال لعام جديد يحل علينا محملا بالبشر والأمل والتفاؤل. عام ترتاح فيها الأنفس من ضغوطات الحياة، عام مزدان بالفرح والسعادة والهناء. عام يهبط فيه غيث مدرار من السماء، يسقي الأرض والعباد، ولتصبح الدنيا جنة غناء.
كل عام وأنتم بخير وصحة وسلامة وعافية.
بقلم لطيفة ناجي.
تعليقات
إرسال تعليق