الكاتب.. عبده داود.. يكتب.. أحلام أنثى.

 الجزء 24

باريس

تابعت سحر قصتها قالت:  تعود  سيمون أن يتصل معي كل يوم من فرنسا، أو غير دول حيث يكون مع وفد يرافقه، أو رحلة هو ينظمها،   ودائما  كان يسألني متى نذهب إلى سورية، وكنت خجلة أقول له لا يمكننا الذهاب معا...

سيمون،  صديق عزيز، أحترمه، معجبة به، لكن ذهابه معي إلى سورية، له معان كثيرة أمام مجتمعي وأهلي، وتخمينات سلبية أنا بغني عنها...

وقررت إلغاء فكرة الذهاب  إلى سورية في الوقت الحالي... وتحججت بدورة اللغة الإسبانية التي هي  فعلا أساسية للقبول في مدرسة الطيران المدني...

مدير المطعم الذي عزفت فيه... كان يتواصل معي دائما ويقدم مغريات حتى  أقبل العمل عازفة  بيانو ولو لمدة ساعة واحدة  ليلية في مطعمه في موعد العشاء...

قبلت العمل،  بسبب غلاء المعيشة الحاصل في سورية  وكان واجب عليّ ارسال ما يمكنني توفيره إلى أهلي في سورية، لأن الغلاء كان  يتصاعد، يوما بعد يوم...وتحولت سورية من أرخص دولة في العالم، لتصبح من الدول الغالية جدا.

صهري كان يساعد أهلي كثيرا عن طريق أختي، لكن أنا أعتبر هذا الأمر هو  مسؤوليتي أنا،  وليست مسؤولية أختي، رغم البحبوحة الكبيرة التي تعيش فيها...

وأجمل ما أخبرتني به هدى هو أنها حامل وتحمل توأم صبيان، وعندها لويس ملأته  الفرحة وما فتئ يرقص ويقول  سيكون عندي ثلاثة صبيان وثلاثة بنات. وأم حقيقية طيبة اسعدتني، وجميع أولادي ينادونها ماما... وتزايد اهتمام صهري بأختي، وأخذ يتناقص ذكر  المرحومة يوما بعد يوم...

وكم أفرحني هذا الأمر، كنت حاملة هم أختي مع رجل عاشق امرأة غائبة، تعيش في عالم غير عالمنا... وأدركت بأن لويس سيعود إلى عالمنا بحكمة أختي... وشعرت فعلا بأن لويس أضحى أخا لي بكل المعاني.

لكن  همي الجديد هو أهلي، باتوا وحيدين يجلسان بجانب الحديقة يحتسيان قهوة من صنع أمي، التي لم نتركها  يوما تحضرها بمراسمها الصباحية...  أو ندعها تقوم بخدمات المنزل، عندما كنت أنا وأختي بالمنزل...

اليوم صار  أبي يستخدم العكاز كساق ثالثة  في المنزل وخارجه علما بأنه لا  يغادر   البيت سوى يوم الأحد يذهب إلى الكنيسة، وبعد القداس،  يزور الأب ميشيل... والأب ميشيل  يزور أبي  خلال الأسبوع ويتباريان  في طاولة الزهر...في لعبة اسمها المحبوسة...

وتعلو  فرحة أحدهما إذا حبس  الآخر  في الخانة الأولى التي اسمها خانة اليك...  وخاصة إذا كان المحبوس هو  أبونا، يقوم والدي يرقص ويكتب شهادة تشهد عليها أمي، بأن المحترم تم حبسه في خانة اليك وهذه تعتبر خسارة الخسائر...

كانت أمي تفرح كثيرا عندما يزورنا  أقرباؤنا أو أصدقاؤنا في البيت الذي غبنا عنه أنا وأختي...وأحدثنا  فيه فراغا لا  يعوض رغم إتصالي معهم،  ومع أختي شبه اليومي أخبرهم عن حالي ويخبروني عن حالهم...

كنت سعيدة  في عملي عازفة بيانو في ذلك النادي المطعم، كون الموسيقى  بهجة حياتي ، كنت أعزف  وأعيش اللحن بكل كياني، ويطربني بعد ذلك، التصفيق الحاد الذي يسعدني وهم يطالبونني بالمزيد، وكنت أعتذر إذ لا بد  من مراجعة دروس الإسبانية التي كنت أحضرها في المعهد قبل حضوري إلى المطعم.

تفاجأت عندما قدم لي مدير المطعم أجوري ومكافأة سخية، وقال لي: أحسنت لقد تزايد عدد زوار المطعم الذين يأتون خصيصا ليسمعوا عزفك ويغادرون عندما تنتهين...

كان لويس يقنعني بالانتقال إلى باريس، والانتساب إلى مدرسة طيران مدني فرنسية، ويقول لغتك الفرنسية قوية ستباشرين الدراسة النظرية والعملية فوراً.

طبعاً أنا كنت عارفة بهذا الأمر،  وأتمنى أن أنتقل إلى عاصمة النور باريس وأكون قد خطوت خطوة سريعة  نحو الشركات العالمية بشكل أسرع... ولكنني كنت أعرف بأن تلك المدارس باهظة جدا، وأنا غير قادرة اطلاقا  على تحمل  تلك... المصاريف...

لكن عندما  علمت بأن شركة  طيران فرنسية تطلب مضيفات ذوات خبرة،  يتقن اللغة العربية شرطا أساسيا، إضافة إلى الإنكليزية  والفرنسية  للعمل على خطوطها الجوية  إلى الدول العربية وبرواتب  مغرية...

تحمست للفكرة وأرسلت لهم  أوراقي الثبوتية،  وطلبوني للمقابلة...

وطرت إلى باريس، وكان سيمون في استقبالي في المطار...

كان يحمل باقة من الورد الذي أحبه، وسمحت له أن يقبلني على خدي...

ركبت جنبه في سيارته، وقال لي حجزك بالفندق جاهزا،  لكن أمي قالت لا تدعها في الفندق  هي ستكون في ضيافتنا، وإذا مانعت أنا سأذهب بذاتي لأحضرها إلى هنا...

طبعا أنا رفضت بشدة أن أذهب إلى بيت غريب لا أعرف عنه شيئا رغم رغبتي الحقيقية أن أقبل الدعوة...

في اليوم التالي، جاء سيمون واصطحبني إلى شركة الطيران  من أجل فحص المقابلة...

أنا أحقق شروط العمل بامتياز، حصلت على الوظيفة  وأعطوني فرصة حتى أنهي عقدي مع الشركة الإسبانية...عدت إلى إسبانيا،وانهيت أعمالي  وطرت إلى باريس...

الحلقات السابقة تجدونها في:

(مجموعة أحلام أنثى)

الكاتب : عبده داود

إلى اللقاء في الحلقة 25



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر.. محمد دومو.. يكتب... لن يراها قلبي.

....لحظة استيعاب🌻