الكاتب.. عبده داود.. يكتب...أحلام أنثى.

 أحلام أنثى

الجزء 25   

مطار باريس


 قالت سحر : بدأت العمل على طائرات الشركة الفرنسية  من باريس إلى الدول العربية، ومن الدول العربية إلى باريس. وطبعاً كان سهلاً عليّ التعامل مع الكابتن جوني مدير الطائرة الفرنسية، ساعدتني لغتي القوية وخبرتي الماضية في فهم طلبات وتوصيات الكابتن، وطبعا كان سهلا  التعامل مع  زميلاتي المضيفات الفرنسيات... بينما كان صعبا عليهن أن يفهمن طلبات المسافرين العرب،  وقلائل من العرب الذين يتقنون اللغة الفرنسية، أو الإنكليزية، لذلك كان المسافرون يجدون صعوبة في التعامل مع المضيفات. 

 وجودي معهن أنهت  إشكالات كثيرة مع المسافرين العرب... 

حينها فهمت لماذا كان راتبي مبروكًا...كان  يساعدني على إرسال جزءاً معقولا لأهلي كل شهر، وهذا أقل ما يمكنني فعله.

كانت عطلتي الأسبوعية يومي الأحد والإثنين من كل أسبوع

سيمون، كنت أراه قليلاً، هو غالبا  خارج باريس، يعمل دليلا  للوفود السياحية التي  ينظمها  المكتب الذي يعمل فيه داخل وخارج فرنسا...

  لكنه كان يتصل معي غالبا وأحيانا  أكثر من مرة واحدة في اليوم...

فهمت من حديث قاله لي:بأن والدته كانت مدرسة لغة إنكليزية وهي الآن متقاعدة تسكن في دار كبيرة وحيدة تتسلى بحديقة المنزل وتعتني بالورد الذي زرعه والدي قبل أن يغادر هذه الدنيا...

وهي  تسألني عنك، وتحب أن تتعرف عليك، هي تقول لي: من الواضح بأنك تحب مضيفة الطيران السورية  هذه، لأنني لم أرك يوما مهتما بفتاة مثل اهتمامك بهذه البنت...

وكان الواضح من كلامه غير  المباشر بأنه يحبني، ولم يهتم لفتاة مثلما يهتم بي..

يوم الأحد الماضي  جاء لزيارتي في الفندق هو ووالدته... بالفعل بدت لي سيدة راقية، من كلامها وطريقة ترتيب  أفكارها وشكل لباسها...ومفردات اللغة التي تستخدمها... 

أصرت الأم أن تعزمني على وجبة غذاء في مطعم برج إيفل الذي يشرف على باريس...

بالفعل عدد الناس الذين كانوا واقفين ينتظرون الصعود إلى البرج يلفتون النظر. لكن يبدو الواسطة سارية المفعول في كل أنحاء العالم، لأن أم سيمون اتصلت مع عاملة في البرج وقالت لها نحن هنا، ذهب سيمون وأحضر ثلاث بطاقات فورية ورفعنا المصعد إلى المطعم في أعلى البرج...

قال سيمون: كان برج إيفل أعلى برج في العالم 330 مترا ارتفاعا، بينما اليوم صار قزماً أمام الأبراج الموزعة في دول عديدة ومنها برج خليفة أو برج دبي  الذي يبلغ ارتفاعه 828 مترا...

بالفعل منظر باريس من علو رائع جدا عاصمة  مترامية الأطراف الأطراف يخترقها نهر السين فيضفي على المدينة جمالا مميزا  وخاصة منظر قوس النصر الذي يتوسط المدينة كنجمة في وسط العاصمة واثنتي عشر شارع تشبه الأشعة  المنبثقة من تلك النجمة  تخترق مدينة النور...

كانت كلمات أم سيمون توحي بأنني أنا خطيبة سيمون المستقبلية، علماً بأنني لم أفكر بهذا الأمر أبداً، صحيح هو يعجبني شاب لطيف، لكن لم أحس بأنه رجل يعتمد عليه في الحياة، وأظن هذا نتيجة دلال  أمه المفرط، الذي كانت  تغدقه على وحيدها...

تشكرت سيمون وأمه على هذه العزومة اللطيفة وعلى الطعام الشهي وعلى النبيذ الفرنسي الوردي المشهور عالمياً...

طلبت مني الأم بحرارة، بأن أسكن معها في دارها الواسعة التي تعيش فيها وحيدة، أنا رفضت هذه الدعوة، لأنني شعرت بأنها موافقة مبدئية على قبول سيمون خطيبا لي، وهذا مرفوض بالنسبة لي في الوقت الحاضر، سيمون لا يزال تحت بقعة الضوء... ولم أمتحنه بعد، أصلاً أنا لم أكن أفكر في الارتباط مع أي إنسان يكبلني ويربطني في بيت الزوجية... 

يبدو أنا لم أخلق لأكون ربة منزل، ومربية أطفال، لا أصلح لأكون زوجة تنتظر زوجها بين أربعة جدران، أنا كنت أتمنى لو خلقني الله رجلاً، كنت حينها ربما أشعر بأنني في مساري الصحيح، لكن كوني أنثى، أنا بعيدة عن خط المرأة الطبيعي... الله يسامح أهلي...  

بعد الغذاء، قالت أم سيمون أنا أذهب في الصباح لحضور القداس، لكن اليوم لم أستطع، لكنني سأذهب إلى كنيسة نوتردام، هناك القداديس مستمرة، هل تحبين أن تذهبي معي؟

قلت نعم: أنا أحب أن أرى هذه الكنيسة، وخاصة بعدما قرأت رواية أحدب نوتردام للكاتب الرائع فيكتور هوجو... لقد قرأتها عدة مرات عندما كنت طالبة في الجامعة.

كنت مشدوهة بجمال هذه الكنيسة التي بنيت عام 525 وجددت في عام 1160  وهم  يجددونها باستمرار بعدما حولها إلى كاتدرائية وصارت من معالم باريس الشهيرة عالميا...

تعرفت على كاهن في الكنيسة المذكورة يتكلم العربية بلهجة لبنانية يدعى الأب جاك قال لي؛ بأنه صديق الأب ميشيل وقد تعلما سوية في لبنان في حريصا، وخدمنا عدة سنوات هناك، بعدها انتقل أبونا ميشيل إلى دمشق، وأنا أرسلوني إلى هذه الكنيسة...

ودعاني  لزيارة الكنيسة كلما سنحت لي الفرصة...وقال: عندنا مكتبة ضخمة، وأطالس دقيقة يمكنك أن تستخدميها لدراستك متى شئت.


الحلقات السابقة موجودة في (مجموعة أحلام أنثى)

كاتب القصة: عبده داود

إلى اللقاء في الحلقة 26



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر.. محمد دومو.. يكتب... لن يراها قلبي.

....لحظة استيعاب🌻