الكاتبة.. ريما المقداد.. تكتب... رسائل الآخر الجميلة إلينا.

 //مقال الأسبوع //

            رسائل الآخر الجميلة إلينا...

أضاءت إشارة المرور الحمراء ، وأخذت السيّارات المتدافعة أماكنها على الإشارة ، إلّا سيّارة مسرعة كان يأمل صاحبها قطع الإشارة قبل احمرارها ، وخانته المكابح لشدّة سرعته فاصطدم بأوّل سيّارة تقف ، ولسوء حظّه  في ذلك اليوم كانت الضحيّة سيّارة لشرطة المرور ، وهنا كان أمام ركّاب عشرات السيّارات المتوقّفة ، وقتٌ للفرجة على مشهد قليل الحدوث ، وتعلّقت العيون بذلك الرّجل القابع خلف المقود ، العجول الذي استسلم لفعلته ، وفتح نافذة سيّارته وجلس ينتظر القصاص ، ثمّ وبكلّ فضول راقبت الأنظار سيّارة الشّرطة التي خرج منها شابٌ عشرينيّ رفع نظّارته الشّمسيّة ليرى مشهد عشرات السيّارات وخلفها كثير من العيون ترقبه وتنتظر ردّة فعله ، فأخفى عينيه من جديد وأطرق بخجل ووقف على نافذة السّائق قائلاً بأدبٍ و شيء من المزاح:

- يارجل تصدم الدّولة .... لماذا العجلة ؟؟؟ مشوارك الذي يحتاج نصف ساعة ... لتصبح أربعين دقيقة ... ولاتؤذِ  روحك وأرواح  الآخرين ...                                                             نظر إلى الخدوش البسيطة على السيّارتين ، وضرب على سقف السيّارة أن إلى الأمام ، والرّجل يسوق أعذاره و حججه ومضى .... عاد الشّرطيّ إلى سيّارته وقد وصلت كلّ من على تلك الإشارة رسالة أدب ذلك الشّرطيّ  في أداء واجبه ... أدبه في التّعامل مع المشكلة ، وأدبه في الخطاب ، مثل هذه الرّسائل لانخبر الآخرين بها .. وإنّما تخبرهم أفعالنا وأقوالنا وزلّات ألسنتنا بها ، تصرّفات بسيطة في الحياة ولكنّها عميقة التّأثير لرقيّها وصدقها ، تطمئنك أنّ الدّنيا بخير ..! !!                                     شابّ يقف على باب محلّ تجاري ليسمح لامرأة أو رجل أكبر منه بالدّخول قبله...         

شابّ يفتح باب شقّته للخروج فيجد باب شقّة جيرانهم مفتوحاً لتخرج جارتهم وأطفالها فيغلق بابه وينتظر داخل منزله لتكون قد غادرت ونزلت هي وأطفالها ...                     

رجال وشباب يؤثرون الوقوف في الحافلات ليجلس النّساء والأطفال مكانهم  بدون أن يطلب منهم أحدٌ ذلك ...                                 

   رجل يجد سيّارة معطلة على طريق سريع فينبري لمساعدة صاحبها ...     

- طفل يترك ملعبه ليساعد جارهم في إيصال أغراضه الكثيرة من السيّارة إلى المنزل ، وآخر يساعد كبير السنّ في قطع الطّريق ، وثالثة تساعد امرأة مسنّة وقعت أغراضها على الأرض فجمعتها لها ...

- حتى الكلمات لها رسائلها ...                                                         كلمة شكراً لايقولها لك الجميع بنفس الرّوح ، البعض تخرج من شفاهه وكأنّه مكرهٌ عليها ، والبعض يقولها بكثير من الامتنان ، من القلب  فتصل إلى القلب .                                                                - و تمتلك بعض الشّعوب في ذاكرتها رصيداً جميلاً من الكلمات التي تنمّ عن طيب الأصل والتربية عند الطّلب منها ... على رأسي ... من عيني ... تكرم ... أبشر ... تأمر ... ولايهمك ... حاضرين ...                                             - ويلفتك في خطاب الشّباب للمرأة الغريبة عنهم في السّوق أو المشفى أو سيّارة الأجرة : 

أختي ... أمّي ... خالة ...حجّة ...جدّة ...                   

كلّها رسائل مطمئنة أنّ شرقنا الجميل بخير 

-  ولكن بم يتفاوت النّاس في رسائلهم إلينا ؟بالتّربية ؟                                                    أم هي تزكيةٌ للنّفس وعمل على رقيّ الأخلاق ؟                                                  أم هي فطرةٌ تظهر عند أناس وتتلوّث وتضمر عند آخرين ؟

في الحقيقة لايخفى أثر التّربية والقدوة الحسنة في هذا الأمر وخصوصاً في مرحلة الطّفولة ومطلع الشّباب ، فالعين تلتقط إشارات معاملات الوالدين الأخلاقيّة مع الآخرين ، و تُمثّلها كما رأتها و تفوق ذلك أحياناً ، لذلك تعدّ الأسرة أوّل من يستنبت في شخصيّاتنا المُثل ، و فيها تنضج فضائل الأخلاق على نار السّنوات الهادئة ...

ثمّ يشبّ الفرد و يتأثّر بقيم المدرسة والحي والمجتمع و الأصدقاء والدّين ، فتزدهر في شخصيّته مُثُلٌ ، وتضمر أخرى .. 

ثمّ ينضج الفرد ويسعى لتزكية نفسه ، ويحاول تدارك مافاته باكتساب أخلاق تسلبُ لُبّه بالآخرين بالدُّربة ، فما يزال يعالج نفسه  ويرقى بها المراقي وكلّما ساءه منها خلقٌ  نهَرَها و شذّب جُموحها ، وكلّما درّبها على خُلقٍ حسن استثمره فيها عملاً صالحاً ليكافئها بتذوّق لذّة الأعمال الرّاقية ... 

وبقدْرِ جميلِ تمثّلنا وهضمنا لمكارم الأخلاق ، والتزامها منهجاً في حياتنا بقدر ما يصل نفحُ عبيرها لمن حولنا ، فتجدهم يسعدون بهذه الرّسائل المعطّرة الجميلة التي تصلهم منّا دونما قصد ... فتسعدهم ، و يغفون باطمئنانٍ في ظلّ أشجارها الوارفة ، في هجير صيف البشريّة القائظ ....

✍🏼ريما المقداد



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر.. محمد دومو.. يكتب... لن يراها قلبي.

....لحظة استيعاب🌻