هي قلبي وروحي وأنا عينها.. بقلم الكاتب..يونس الحداد.

 هي قلبي وروحي وأنا عينها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)

نزلت داليا تجري من السيارة مسرعة لترتمي في أحضان أمها وهي في نشوة فرحها قائلة:

- لقد طلب يدي يا أمي وسيأتي يوم الجمعة القادمة للجلوس مع والدي والاتفاق معه على كل شيء.

- أخيراً ابتسمت لكِ الحياة يا ابنتي..

ثم مسحت دموعها وقالت: ألف مبروك يا ابنتي ألف مبروك.

رجع زياد إلى أمه فأخبرها أنه اتفق مع داليا على الذهاب لأسرتها يوم الجمعة للاتفاق على الخطوبة وتحديد يوم الزفاف.

الأم: أما زلت مُصرّاً عليها.

زياد: نعم يا أمي.. لم أحب غيرها ولن أحب.

امتعضت الأم وتركته وخرجت..

(2)

افترش زياد سريره وراح يتذكر أول مرة رأى فيها داليا..

كان يعمل محاسباً في شركة مقاولات بجوار نادي الكواكب المضيئة.. ففي ساعة راحته يذهب إلى النادي ليتناول إفطاره وقهوته.. شدته تعبيرات وجهها الجادة والهادئة وتركيزها الشديد وهي تستمع إلى قراءة أمها لها للكتب.. أكسبتها نظارتها الشمسية السوداء هيبة وجمالاً يجعل الناظر إليها صامتاً متأمّلا وكفى.. فتذكر زياد قول نزار قباني في قصيدة إلى تلميذة التي غناها كاظم الساهر:

فإذا وقفت أمام حسنكِ صامتاً ... فالصمت في حرم الجمال جمال.

سأل زياد عامل البوفيه عليها فأخبره بأنها الدكتورة داليا حاصلة على درجة الماجستير في علم النفس وباحثة دكتوراه حاليا وتأتي كل يوم هنا مع والدتها يقرآن الكتب ويتناولان إفطارهما.. سأله زياد: هل هي متزوجة او مخطوبة؟ ابتسم النادل وقال: لا هل أعجبتك؟ صمت زياد وابتسم ولم يُجب النادل.

(3)

قرر زياد أن يذهب إليها متحججا بأنه يعرض عليها مشكلة نفسية وكان زياد قد بحث عن اسمها على موقع يوتيوب ففوجئ بأنها لها قناة عليها عشرون ألف مشترك وفيديوهات عليها مشاهدات لا بأس بها.

زياد بعد إلقاء السلام عليهما: هل حضرتك الدكتورة داليا صاحبة قناة عش مطمئناً على اليوتيوب؟ ابتسمت داليا ووالدتها وأجابته: نعم بكل سرور.

زياد: لدي مشكلة أريد أن أعرضها عليكِ.

داليا: تفضل بكل ود.

زياد: ما علاج الشخص المهزوز الذي لا يختار لنفسه شيئاً؟

داليا: الشخص المهزوز علاجه أن يحب نفسه كما هي، أن لا يبحث عن مدح الناس له وهو يكره نفسه ويذمها ليلا ونهاراً، إذا أحب نفسه سيعرف ما يريد وسيختار ما يتناسب معه لا ما يناسب غيره.

زياد: لقد ذهب لثلاثة أطباء نفسيين ولم يُصل لي أحد منهم العلاج بكل سهولة كما فعلتِ الآن.

ابتسمت داليا وقالت: آمل أن تتحسن قريبا وتخبرني.

ابتسم زياد وقال: أكيد سأتكلم معكِ ثانية.

قالت والدتها: هيا بنا يا داليا فقد اقترب والدك من المجيء من عمله وعلينا أن نصنع الغداء.. ثم أخذت يدها وسحبتها فإذا بداليا فاقدة لبصرها.

توقف زياد مكانه واختلطت ملامح وجهه بالحزن مع السعادة وتحجرت عيناه وامتلأت بالدموع ثم حدث نفسه: مع هذا الجمال وهذه الروح الجميلة وهذه الشخصية وهي فاقدة لبصرها.. رجع زياد يومها حزينا وسعيدا في نفس الوقت، حزيناً لداليا سعيداً لأنه يشعر بأنه التقى بمن يحب أخيراً فقد وقع حبها في قلبه وقوعا لا إقامة منه.

غطّ زياد في نوم عميق بعد أن تذكر أول لقاء له مع داليا ثم استيقظ على طرق أمه على باب الغرفة.

(4)

استيقظ زياد ليجد أمه تقول له: اجهز لأن خالتك وابنتها سمر آتيتان لتناول الغداء معنا..

امتعض زياد وتغيرت ملامح وجهه.. ذلك أنها  تريده أن يتزوج ابنة خالته سمر.. هي جميلة لكن روحها وشخصيتها لا تناسبه والزواج هو ارتباط عقل بعقل وروح بروح وقلب بقلب لا جسد بجسد.. حضرت خالة زياد وابنتها سمر.. فخرج زياد ليجلس على طاولة الغداء.. وإذ بسمر ترتدي ثياباً متأنقة خارجة من عند الكوافير منذ قليل وتغطي رائحة عطرها على كل شيء في المكان.. جلس زياد وجعلت سمر تسترق النظرات إليه فزياد كان وسيما ذا شعر أشقر وعيون زرقاء وكانت سمر تحبه منذ صغرها..

تحدثت خالة زياد: لقد تعبت من ابنتي سمر.. لا يوجد شاب يعجبها أبداً.. بالأمس تقدّم لها دكتور عيون ويمتلك فيلا وسيارة فارهة ورفضت متحججة بأنها تختار بقلبها..

ابتسم زياد وقال: من حقها أن تختار بقلبها ومن حق كل إنسان أن يحب.

أم زياد: لكن يحب شخصاً سويّاً لا معاقاً.

زياد: أحيانا تكون الإعاقة في العقول.. وكم من جميلات في الخارج معاقات من الداخل.

امتعضت سمر من الحديث الدائر وقالت لأمها: سأنتظرك في الخارج يا أمي.

علمت سمر أن زياد لا يحبها ولا يريدها.. امتعضت أم زياد من كلامه وقالت له: أما زلت تصر على الزواج من بنت كفيفة.. فعلا صوت زياد وانفعل قائلاً: ليست كفيفة يا أمي، ليست كفيفة، قلت لكِ أنها لديها مشكلة في بصرها فقط لكنها ليست كفيفة كفاكِ كفاكِ.

نزل زياد من بيته منفعلا حزينا وركب سيارته.

(5)

جعل زياد يفكر في سيارته فتذكر أن داليا كانت قالت له في إحدى لقاءاته أن أحد الأطباء قال لها: من الممكن زراعة قرنية في عين لها لكنها لم تجد متبرعاً.. قال زياد في نفسه: لن تكوني كفيفة بعد الآن يا داليا.. فأنا عينكِ وأنتِ قلبي.. لن تكوني كفيفة يا حبيبتي.

ذهب زياد لداليا وقال لها: سأتبرع لكِ بقرنية عين من عينيّ، وسأرى بعين وأنتِ بعين فنكون وجها واحدا كما أننا قلب ووروح واحدة.. بكت داليا وجعلت تبتسم وتبكي واختلطت أفراحها بالدموع وقالت له: هل يوجد حب كذلك؟ هل تحبني لهذه الدرجة؟

زياد: نعم يا حبيبتي أحبك أحبك جدا أنتِ قلبي وروحي وكل شيء في حياتي.

تمت العملية بنجاح وكان زياد قد أخبر أمه أنه سيسافر ثلاثة أيام في عمل، وقرر زياد أن يركّب مكان عينه المفقودة عينا صناعية حتى لا تعلم أمه وكذلك فعلت داليا.

(6)

جاء اليوم الموعود يوم الجمعة فقالت أم زياد له: أما زلت مصراً.. زياد: يا أمي وجع القلب مميت وإذا ابتعدت عن داليا سيكون الموت مصيري حتما.

اختلطت ملامح وجه أمه بالحزن.. فقال لها زياد: ليست كفيفة يا أمي وسترين.

ذهب زياد وأمه إلى منزل داليا فدخلت داليا مقدمة العصير إليهما فإذا بفتاة مبصرة رائعة الجمال حتى إن أمه توقفت لدقائق تنظر إليها وهي لا تشعر بشيء إلى أن نبهها زياد.

جعل الجالسون يتجاذبون أطراف الحديث حتى حددوا موعد الزفاف.

(7)

زُفَت داليا إلى حبيبها زياد وقضوا ليلة سعيدة وفي الصباح صعدت أمه لتطمئن عليهما ففتح زياد لها الباب وكان قد نسي أن يركّب العين الصناعية لتفاجأ أمه بما صنع.. وقفت الأم لا تستطيع أن تنبس بِبنت شفة ثم قالت: هل يوجد حب كذلك؟!!!

بعد عشرة أيام من الزواج جاء لداليا خطاب تعيينها معيدة في كلية الآداب بقسم علم النفس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتابة يونس الحداد



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر.. محمد دومو.. يكتب... لن يراها قلبي.

....لحظة استيعاب🌻