الكاتب.. يونس الحداد.. يكتب... العمر الضائع.

 العمر الضائع

__________________________


(١)

نظرت لنفسها في المرآة.. الملامح تغيرت.. أنفاسها أصبحت قاسية.. خصلات شعرها بدأت تشيب.. قالت في نفسها: معقول.. أتممت خمسين عاماً من عمري.. التفتت وراءها فوجدت زوجها يقف منذ دقيقة تقريباً.. ارتبكت فقال لها: ما بكِ يا حبيبتي.

- لا شيء يا حبيبي.. أجهز لك ملابسك؟

- لا عليكِ.. جهزتها ليلاً كي لا أشقّ عليكِ.

- (مبتسمة) تخاف علي هكذا؟

- بالتأكيد يا قلبي.. نحن عشرة سبعة وعشرين عاماً الآن.

- أتذكر أول مرة قابلتني.

- بالتأكيد.. كنتِ تكرهينني بشدة.

- (ضاحكة) لكن إصرارك علي جعلني أحبك كثيراً.

- حتى أبيكِ لا يزال إلى الآن يكرهني.. لأنه يحبكِ كثيراً و يرى أنني انتزعتكِ منه.

- لا تتأخر علي يا حبيبي.

- يومان فقط.. مقابلة عمل مع وفد أجنبي لإتمام صفقة تصدير البلح السيوي.

احتضنته وابتسمت وسافر زوجها.

                     (٢)

بدأت فقرتها الصباحية اليومية وهي الاطمئنان على أولادها الثلاثة: أيمن وأكرم وأسماء.. ثم الاتصال على أبيها.. اطمأنت عليهم.. ثم قررت أن تغير من شكلها لتبدو أصغر سناً.. أزعجها بشدة شبابها الذي بدأ نجمه في الأفول.. لكن حبها لزوجها وحب زوجها لها كان يطمئنها كثيراً.. فكلما قالت لها صديقتها: إن بعض الرجال إذا كبروا أحبوا إحياء شبابهم من جديد مع امرأة صغيرة.. قالت لها: إلا زوجي.. لقد كبرنا معا وضحيت كثيرا من أجله وهو يقدر لي ذلك..

قررت أن تذهب للكوافير الذي لم تذهب له منذ ثلاثة أعوام.

                        (٣)

كان العاملون في الكوافير يعلمون جيداً مدام هند حرم حاتم بيه رجل الأعمال الكبير.. ذهبت إليهم رحبوا بها بشدة.. وقالت لهم: أريد عمل تغيير شامل.. صبغة للشعر وتنظيف للبشرة إلى آخره.. قال لها المدير: على الرحب والسعة يا هانم.. 

جلست تتصفح هاتفها المحمول.. فجاءت فتاة في ريعان شبابها رحب بها عمال الكوافير بشدة حتى لفتت انتباهها.. كانت فتاة ممشوقة.. تنسدل خصلات شعرها وترفرف على وجنتيها.. ذات عينين نجلاوين.. قادرة على سحر الرجال بشدة.. سلمت عليها الفتاة وجلست على مقربة منها.. لم تعرها هند أي اهتمام.. رن هاتف الفتاة فإذا بها تقول: حبيبي أنا أجهز لك نفسي الآن.. سمعت صوتاً يقارب صوت زوجها فقد كان صوت سماعة الهاتف عاليا بعض الشيء وهي تحفظ صوت زوجها..  وإذ بالفتاة تقول: مع السلامة يا حاتم.. بدأت ترتبك وتشعر بالخوف فلمحت صورة الخلفية لهاتف الفتاة فإذا هي صورة زوجها مع الفتاة.. صدمت صدمة كبيرة وكادت أن تسقط ويغمى عليها لولا أنها تماسكت.

                    (٤)

خرجت مسرعة إلى السيارة حتى إن مدير الكوافير خرج وراءها ليرى ما حدث لها.. لكنها سارت بسرعة شديدة حتى وصلت لمقر الشركة فوجدت زوجها لم يسافر.. دخلت عليه فانزعج من حضورها المفاجئ.. أخذت منه هاتفه واتصلت على آخر رقم مسجل باسم نبض قلبي.. فردت عليها فتاة تقول: نعم يا حبيبي أنتظرك بشوق ولهفة.. 

نظرت لزوجها نظرة اشمئزاز ثم قالت: هكذا إذن.. 

لم تكن تعلم أن حالها سيتغير هكذا.. وأن حياتها ستنقلب..  تلك هي مكافأة نهاية الخدمة من حاتم بيه الذي أضاعت عمرها معه في بناء شركته وتربية الأولاد وحصولهم على أعلى الشهادات..

رفعت قضية طلاق وحكم لها به.

___________________

كتابة/ يونس الحداد

مصر



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر.. محمد دومو.. يكتب... لن يراها قلبي.

....لحظة استيعاب🌻